گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد نهم
سورة الصف..... ص: 590






اشارة
مدنیۀ بلا خلاف، و هی أربع عشرة آیۀ بلا خلاف.
[سورة الصف ( 61 ): الآیات 1 الی 5]..... ص: 590
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ ( 1) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ( 2) کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ
( تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ( 3) إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَ  فا کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ ( 4
وَ إِذْ قالَ مُوسی لِقَوْمِهِ یا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِی وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَ اللَّهُ لا یَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ
(5)
فی أول الحشر، و قد مضی تفسیره فی « سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ » خمس آیات قد مضی تفسیر
أول الحدید، و إنما أعید- هاهنا- لأنه استفتاح السورة بتعظیم اللَّه من جهۀ ما سبح له بالآیۀ التی فیه، کما یستفتح ببسم اللَّه الرحمن
الرحیم، و إذا جل المعنی فی تعظیم اللَّه حسن الاستفتاح به، لأن المقصد به حسب دلالته و الفائدة فی تعظیم ما ینبغی أن یستفتی به
علی جهۀ التعظیم للَّه، و التیمن بذکره. ص: 591
بألسنتکم ما لا تفعلونه، « لِمَ تَقُولُونَ » قال الحسن: نزلت فی المنافقین، یقول اللَّه لهم « یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ » و قوله
فسماهم بالایمان علی الظاهر. و قیل: نزلت فی قوم کانوا یقولون إذا لقینا العدوّ لم نفر، و لم نرجع عنهم ثم لم یفوا بما قالوا، و قال
قتادة: نزلت فی قوم: قالوا: جاهدنا و أبلینا و لم یفعلوا.
و قال ابن عباس و مجاهد: نزلت فی قوم قالوا: لو علمنا أحب الاعمال إلی اللَّه لسارعنا إلیها، فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا عنه، فبین
فان القول الذي یجب الوفاء به هو القول الذي یعتقد «1» « یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » اللَّه ذلک. و قال قوم: هو جار مجري قوله
بفعل البر علی طریق الوعد من غیر طلب.
إنما اطلق ذلک مع انه لیس کل قول یجب الوفاء به. لأنه معلوم انه لا عیب بترك « کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ » و قوله
الوفاء فیما لیس بواجب الوفاء به، و إن الذم إنما یستحق بترك ما هو واجب أو ما أوجبه الإنسان علی نفسه بالنذر و العهد. و المقت
البغض، و هو ضد الحب، و هو علی ضربین: أحدهما- یصرف عنه العقل. و الآخر- یصرف عنه الطبع إلا انه جري علی صیغۀ واحدة
لم » للبیان أن صارف العقل فی التأکید کصارف الطبع، کما أنه فی الحب علی داعی العقل او داعی الطبع، و حذف الألف من
صفحۀ 290 من 296
لشدة الاتصال، و وضع حرف الاعتلال، لأنه حرف تغییر فی موضع تغییر. « تقولون
نصب علی التمییز، و تقدیره: کبر هذا القول أي عظم مقتاً عند اللَّه، و هو أن تقولوا ما لا تفعلون. و یحتمل أن یکون « مقتاً » و قوله
تقدیره کبر ان تقولوا ما لا تفعلون مقتاً عند اللَّه.
معناه إنه تعالی یحب « إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَ  فا » قوله
__________________________________________________
1) سورة 5 المائدة آیۀ 1 )
ص: 592
أي یقاتلونهم مصطفین، و هو مصدر فی موضع الحال. « صَ  فا » من یقاتل فی سبیله و یجاهد أعداء دینه و یزید ثوابهم و منافعهم. و قوله
قیل فی معناه قولان: « کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ » و قوله
أحدهما- کأنه بنی بالرصاص لتلاؤمه و لشدة اتصاله.
الثانی- کأنه حائط ممدود علی رص البناء أي أحکامه و اتصاله و استقامته و المرصوص المتلائم الذي لا خلل فیه و مثل مرصوص
إِذْ قالَ مُوسی لِقَوْمِهِ یا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِی وَ قَدْ تَعْلَمُونَ » شدید اللصوق فی الاتصال و الثبوت ثم قال للنبی صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله و أذکر
لأنه مع العلم بنبوته لا یجوز إیذاءه، و کانوا یؤذونه، فیقولون: هذا ساحر کذاب، و یرمونه بالبرص و غیر ذلک. « أَنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ
فالزیغ الذهاب عن الشیء باسراع فیه و الأظهر فیه الذهاب عن الحق، و المعنی إنهم لما ذهبوا عن « فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ » و قوله
وَ اللَّهُ لا یَهْدِي » بمعنی انه حکم علیها بالزیغ و المیل عن الحق، و لذلک قال « أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ » طریق الحق، و مالوا إلی طریق الباطل
و معناه لا یحکم لهم بالهدایۀ. و قیل: معناه فلما زاغوا عن الایمان أزاغ اللَّه قلوبهم عن الثواب، و لا یجوز ان یکون « الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ
المراد أزاغ اللَّه قلوبهم عن الایمان لأن اللَّه لا یزیغ أحداً و لا یضله عن الایمان، و ایضاً فانه لا فائدة فی الکلام علی ما قالوه، لأنهم إذا
زاغوا عن الایمان فقد حصلوا کفاراً، فلا معنی لقوله أزاغ اللَّه
قوله تعالی:[سورة الصف ( 61 ): الآیات 6 الی 9]..... ص: 592
وَ إِذْ قالَ عِیسَ ی ابْنُ مَرْیَمَ یا بَنِی إِسْرائِیلَ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ مُ َ ص دِّقاً لِما بَیْنَ یَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ یَأْتِی مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَیِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِینٌ ( 6) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَري عَلَی اللَّهِ الْکَ ذِبَ وَ هُوَ یُدْعی إِلَی الْإِسْلامِ وَ اللَّهُ لا یَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ ( 7) یُرِیدُونَ لِیُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ ( 8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِینِ الْحَقِّ
( لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ( 9
ص: 593
أربع آیات.
منصوباً. و القراءتان متقاربتان « متم نوره » مضافاً. و قرأ الباقون « مُتِمُّ نُورِهِ » قرأ ابن کثیر و حمزة و الکسائی و حفص عن عاصم و خلف
إلا أن اسم الفاعل إذا کان لما مضی لا یعمل، و لا یجوز إلا الاضافۀ، و إذا کان للحال و الاستقبال جاز فیه التنوین و الاضافۀ.
یا بَنِی إِسْرائِیلَ إِنِّی رَسُولُ » لقومه الذین بعث الیهم « إِذْ قالَ عِیسَ ی ابْنُ مَرْیَمَ » یقول اللَّه تعالی لنبیه صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله اذکر یا محمد
نصب علی الحال (لِما بَیْنَ یَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) إنما سماه لما بین یدیه و هو قد تقدمه و هو خلفه بمضیها لأنها متقدمۀ. « اللَّهِ إِلَیْکُمْ مُصَدِّقاً
و هو متوجه الیها بالأخذ بها، فلها جهتان: جهۀ المضی وجهۀ التقدم (وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ) عطف علی قوله (مُصَدِّقاً) و هو ایضاً نصب علی
الحال (یَأْتِی مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) یعنی نبینا محمد صَلی اللَّهُ عَلیه و آله.
و قوله (اسْمُهُ أَحْمَدُ) فأحمد عبارة عن الشخص. و الاسم قول، و القول لا یکون الشخص. و خبر المبتدأ ینبغی ان یکون هو المبتدأ إذا
صفحۀ 291 من 296
، کان مفرداً. و الوجه فیه ان یقدر فیه (قول) فکأنه قال اسمه قول أحمد، کما تقول: اللیلۀ الهلال، و انت التبیان فی تفسیر القرآن، ج 9
ص: 594
ترید اللیلۀ طلوع الهلال فتحذف المضاف و تقیم المضاف الیه مقامه.
و قوله (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَیِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِینٌ) قیل فیه قولان:
أحدهما- إن محمداً لما جاء کفار قومه بالبینات أي المعجزات، قالوا هذا سحر واضح بین.
و قال قوم: معناه فلما جاء عیسی قومه بالبینات و المعجزات قالوا له هذا القول. و من نسب الحق إلی السحر فقد جري فی ذلک مجري
الجحد لنعم اللَّه فی أنه قد کفر، فان کان دون ذلک کان جاهلا و فاسقاً، لو لم یکفر. و السحر حیلۀ توهم امراً لیس له حقیقۀ کایهام
انقلاب الحبل حیۀ.
و قوله (وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَري عَلَی اللَّهِ الْکَذِبَ وَ هُوَ یُدْعی إِلَی الْإِسْلامِ) صورته صورة الاستفهام و المراد به التبکیت. و معناه لا أحد
أظلم لنفسه ممن افتري علی اللَّه الکذب و خرص علیه، و هو یدعی إلی الإسلام یعنی الاستسلام لأمره و الانقیاد لطاعته، و هو متوجه
إلی کفار قریش و سائر فی جمیع الکفار.
ثم قال (وَ اللَّهُ لا یَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ) و معناه لا یحکم بهدایۀ القوم الظالمین الذین هم الکفار. و قیل: معناه لا یهدي الکفار إلی
الثواب، لأنهم کفار ظالمون لأنفسهم بفعل الکفر و المعاصی التی یستحق بها العقاب، و کل کافر ظالم لأنه أضر نفسه بفعل معصیۀ
استحق بها العقاب من اللَّه تعالی، فکفره ضرر قبیح.
ثم وصف الکافرین الذین عناهم بالآیۀ فقال (یُرِیدُونَ لِیُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ) و معناه إنهم یریدون إذهاب نور الإسلام و الایمان
بفاسد الکلام الذي یجري مجري تراکم الظلام. و قیل: معناه هم کمن أراد إطفاء نور الشمس بفیه.
و قوله (وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ) معناه إن اللَّه یتم نور الإسلام و یبلغ غایته و إن کره ذلک الکفار الجاحدون لنعم اللَّه.
ص: 595
ثم قال (هُوَ الَّذِي) یعنی اللَّه الذي اخبر عنه بأنه یتم نوره (أَرْسَلَ رَسُولَهُ) یعنی محمد صَ لی اللَّهُ عَلیه و آله (بِالْهُدي وَ دِینِ الْحَقِّ) من
التوحید و إخلاص العبادة للَّه و دین الإسلام و ما تعبد فیه الخلق (لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ) بالحجج القاهرة و الدلائل الباهرة (وَ لَوْ کَرِهَ
الْمُشْرِکُونَ) ذلک. و فی الآیۀ دلالۀ علی صحۀ النبوة، لأنه تعالی قد أظهر دینه علی الأدیان کلها بالاستعلاء و القهر، کما وعد فی حال
القلۀ و الضعف.
قوله تعالی:[سورة الصف ( 61 ): الآیات 10 الی 14 ]..... ص: 595
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلی تِجارَةٍ تُنْجِیکُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ ( 10 ) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ بِأَمْوالِکُمْ وَ
أَنْفُسِکُمْ ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 11 ) یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَ یُدْخِلْکُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَساکِنَ طَیِّبَۀً فِی جَنَّاتِ
عَدْنٍ ذلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ ( 12 ) وَ أُخْري تُحِبُّونَها نَصْ رٌ مِنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِیبٌ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ ( 13 ) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ
کَما قالَ عِیسَ ی ابْنُ مَرْیَمَ لِلْحَوارِیِّینَ مَنْ أَنْصارِي إِلَی اللَّهِ قالَ الْحَوارِیُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَۀٌ مِنْ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ کَفَرَتْ طائِفَۀٌ
( فَأَیَّدْنَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلی عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِینَ ( 14
خمس آیات.
قرأ ابن عامر (تنجیکم من عذاب الیم) مشددة الجیم. الباقون بالتخفیف و قرأ ابن کثیر و نافع و ابو عمرو و ابو جعفر (أنصاراً للَّه) منوناً.
الباقون بالاضافۀ ص: 596
لقولهم فی الجواب (نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ) و قرأ نافع وحده (انصاري إلی اللَّه) بفتح الیاء. الباقون بإسکانها و هما جمیعاً جیدان.
صفحۀ 292 من 296
یقول اللَّه تعالی مخاطباً للمؤمنین (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) باللَّه و اعترفوا بتوحیده و إخلاص عبادته و صدقوا رسوله (هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلی
تِجارَةٍ) صورته صورة العرض و المراد به الامر. و التجارة طلب الربح فی شراء المتاع. و قیل لطلب الثواب بعمل الطاعۀ تجارة تشبیهاً
بذلک، لما بینهما من المقاربۀ (تُنْجِیکُمْ) أي تخلصکم (مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ) أي مؤلم، و هو عذاب النار. ثم فسر تلک التجارة فقال
(تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ) أي تعترفون بتوحید اللَّه و تخلصون العبادة له و تصدقون رسوله فیما یؤدیه إلیکم عن اللَّه. و إنما قال (تُؤْمِنُونَ)
وَ تُجاهِدُونَ فِی ) «2» و قد بیناه فیما مضی «1» ( مع أنه قال (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) لان ذلک جار مجري قوله (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا آمِنُوا
سَبِیلِ اللَّهِ) یعنی قتال أعدائه الکفار (بِأَمْوالِکُمْ) فتنفقونها فی ذلک (وَ أَنْفُسِکُمْ) فتحاربون بنفوسکم. ثم قال (ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ) أي ما
ذکرته لکم و وصفته أنفع لکم و خیر عاقبۀ إن علمتم ذلک و اعترفتم بصحته. و إنما قال (ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ) مع أن ترکه قبیح و معصیۀ
للَّه، لان المعنی ذلکم خیر لکم من رفعه عنکم، لان ما أدي إلی الثواب خیر من رفعه إلی نعیم لیس بثواب من اللَّه تعالی. و التکلیف
خیر من رفعه إلی الابتداء بالنعم لکل من عمل بموجبه، و قیل: إیمانکم باللَّه خیر لکم من تضییعه بالمشتهی من أفعالکم (إِنْ کُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ) مضار الأشیاء و منافعها و إنما جاز (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) مع أنه محمول علی التجارة و خبر عنها، و لا یصلح أن یقال التجارة تؤمنون.
و إنما یقال التجارة أن تؤمنوا باللَّه، لأنه علی طریق ما یدل علی خبر التجارة لا علی نفس الخبر إذ الفعل یدل علی مصدره و انعقاده
بالتجارة فی المعنی
__________________________________________________
1) سورة 4 النساء آیۀ 139 )
359 ،307 / 2) انظر 3 )
ص: 597
لا فی اللفظ. و فی ذلک توطئۀ لما بنی علی المعنی من الإیجاز. و العرب تقول: هل لک فی خیر تقدم إلی فلان، فتعوده و أن تقدم
الیه.
و قوله (یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ) أي متی فعلتم ذلک ستر علیکم ذنوبکم، و جزمه لأنه جواب (تُؤْمِنُونَ) لأنه فی معنی آمنوا یغفر لکم. و
قال الفراء: هو جواب (هل) و إنما جاز جزم (یغفر لکم) لأنه جواب الاستفهام. و المعنی هل أدلکم علی تجارة تنجیکم من عذاب ألیم
یعلمکم بها، فإنکم إن عملتم بها یغفر لکم ذنوبکم و کان ابو عمرو یدغم الراء فی اللام فی قوله (یغفر لکم) و لا یجوز ذلک عند
الخلیل و سیبویه، لان فی الراء تکرار، و لذلک غلبت المستعلی فی طارد. (وَ یُدْخِلْکُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) عطف علی قوله
(یغفر لکم) فلذلک جزمه (خالدین فیها) أي مؤبدین (وَ مَساکِنَ طَیِّبَۀً) أي و لهم فی الجنۀ مساکن طیبۀ مستلذة (فِی جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي
فی بساتین إقامۀ مؤبدة. ثم قال (ذلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ) یعنی الذي وصفه من النعیم هو الفلاح العظیم الذي لا یوازیه نعمۀ. و قیل: الفوز
النجاة من الهلاك الی النعیم.
و قوله (وَ أُخْري تُحِبُّونَها) معناه و لکم خصلۀ أخري مع ثواب الآخرة (نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ) فی الدنیا علیهم (وَ فَتْحٌ قَرِیبٌ) لبلادهم. ثم قال (وَ
بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ) بذلک أي بما ذکرته من النعیم و النصر فی الدنیا و الفتح القریب.
ثم خاطب المؤمنین فقال (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ) و معناه کونوا أنصار دین اللَّه الذي هو الإسلام بأن تدفعوا أعداءه عنه
و عن دینه الذي جاء به (کَما قالَ عِیسَ ی ابْنُ مَرْیَمَ لِلْحَوارِیِّینَ) أي مثلکم مثل قول عیسی للحواریین، و هم خاصته، و سمی خاصۀ
الأنبیاء حواریین، لأنهم أخلصوا من کل عیب- فی قول الزجاج- و قیل: سموا حواریین لبیاض ثیابهم. و قال ابن عباس: کانوا صیادین
ص: 598
للسمک. و قال الضحاك: کانوا غسالین.
یعنی «1» ( و قوله (مَنْ أَنْصارِي إِلَی اللَّهِ) یعنی من أنصاري مع اللَّه، و (الی) تکون بمعنی (مع) و مثله (وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلی أَمْوالِکُمْ
صفحۀ 293 من 296
مع أموالکم. و قیل سمی النصاري نصاري لقولهم (نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ) و قیل: لأنهم کانوا من الناصرة و هی قریۀ فی بلاد الروم، فأجابه
الحواریون بأن قالوا (نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ) و إنما قیل لهم (کُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ) مع أن المراد به دین اللَّه، تعظیماً للدین و تشریفاً له. کما یقال
الکعبۀ بیت اللَّه، و حمزة اسد اللَّه، و ما أشبه ذلک (فَآمَنَتْ طائِفَۀٌ مِنْ بَنِی إِسْرائِیلَ) یعنی صدقت بعیسی علیه السلام طائفۀ من بنی
إسرائیل (وَ کَفَرَتْ) به (طائِفَۀٌ) اخري (فَأَیَّدْنَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلی عَدُوِّهِمْ) أي قوینا المؤمنین علی عدوهم (فَأَصْ بَحُوا ظاهِرِینَ) أي غالبین
لهم و قال ابراهیم: معناه أید الذین آمنوا بعیسی بمحمد، فأصبحوا ظاهرین علیهم. و قال مجاهد: بل أیدوا فی زمانهم علی من کفر
بعیسی علیه السلام و قال بعضهم الم یکن من المسیح قتال. و التأویل أنهم أصبحوا ظاهرین علی مخالفیهم بالحجۀ. و قال قوم: کانت
الحرب بعد المسیح لما اختلف أصحابه اقتتلوا فظفر أهل الحق، و هذا ضعیف، لأنه لم یکن من دینهم بعده القتال. و قال ابن عباس
قاتلوا لیلا فأصبحوا ظاهرین.
__________________________________________________
1) سورة 4 النساء آیۀ 2 )
تم المجلد التاسع من التبیان و یلیه المجلد العاشر و أوله أول سورة الجمعۀ طبع فی محرم الحرام سنۀ 1383 ه- حزیران سنۀ 1963 م
تعریف